حقيقة الحضارة الغربية

نسخة للتحميل

لقد حاول بعض من أجرى دراسات ودونوها في كتبهم وأبحاثهم أن ينصفوا الحضارة الغربية؛ فقسموها إلى قسمين؛ قسم إيجابي؛ وهو ما يتعلق بالتقدم الصناعي والتكنولوجي، وقسم سَلبي؛ وهو ما يتعلق بجانب الأخلاق والمبادئ والقيم الروحية من الإنسان.

ولكن الحقيقة المحضة المجردة عن الهوى والبعيدة عن التأثر بشهوات الغرب المادي وإغراءاته الدنيوية ─ وهي الحقيقة القائمة على أدلة التاريخ ومصير الأمم والشعوب ودورات الحضارات والواقع الحاضر الذي يعيشه إنسان اليوم ─ تقلب تلك المعادلة التي أرادها من أراد أن يكون منصفا في حكمه على حضارة الغرب رأسا على عقب؛ ذلك لأن مجموع الأدلة والشواهد والتجارب تدل على غير ذلك تماما؛ بمعنى أن حتى الشق الأول؛ الذي زعم من أراد الإنصاف أنه إيجابي = هو سلبي أيضا، بل وسلبي جدا.

فالحضارة الغربية حتى في شقها المادي الصِّرف الذي يُزعم أنه سهَّل الحياة ويسَّر أساليب العيش لبني الإنسان، بل وحتى للحيوان ─ على حد زعمهم ─؛ هي في الحقيقة في هذا الجانب أيضا في هوة بعيدة وسحيقة…

فالتكنولوجيا والتطور الصناعي الغربي يحمل في ثناياه تدمير الإنسان في مختلف مناحي الحياة، وبما يحمله لفظ التدمير من أبعاد في معانيه ودلالاته، وسأذكر بعض الأمثلة؛ التي هي بمثابة الأدلة؛ تدل على غيرها من الكثير مما لا يتسع هذا المقام لذكرها.

فخذ على سبيل المثال مسألة الغذاء، الذي هو أساس الحياة؛ كون الإنسان به يحيا وينمو؛ فقد أصبح الغذاء المصنوع على الطريقة الغربية يمثل خطرا كبيرا على الناس؛ وهو ما يسمونه بالصناعة الغذائية؛ ذلك لأن معظم الأمراض الفتاكة والمتلفة إنما تأتي منه؛ ثم لما تفشت تلك الأمراض المُدنِفة والمهلكة اخترعوا الأدوية الكيميائية كرد فعل غير معقول لمحاربة تلك الأمراض؛ بدلا من إصلاح الغذاء والرجوع إلى تناول ما خلقه الله عز وجل في الطبيعة…؛ علما بأن تلك الأدوية نفسها تسبب معضلات صحية كبيرة في جسم الإنسان، كما يقول المختصون؛ فزادوا الطينة بلة!

وفي مجال الصناعة العسكرية: فتباب ودمار، فظائعها معروفة مشهورة كاشتهار الحرب والنار…

وفي مجال وسائل النقل والمواصلات؛ فنفس الشيء، نعم، صحيح أنها قربت البعيد، إلا أن تلك الوسائل تحصد مئات الآلاف من الموتى سنويا والآلاف من المعاقين حول العالم، بالإضافة إلى تلويث البيئة، وتدمير الطبيعة؛ كالغابات، والحيوانات، وموارد الماء من الأنهار والوديان وغيرها لأجل شق الطرقات، وبناء المرافق الضخمة الخاصة بها… بل وحتى الجبال، وما أدراك ما الجبال، لم تسلم من يد الإنسان الغربي الهدامة…

وفي مجال الصناعات الإعلامية منذ ظهور الصحافة، حمالة الحطب، كما كان يسميها العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، مرورا بابتكار الراديو والتلفاز، إلى عصر الصحون المقعرة ثم زمن الأنترنت ووسائل التواصل في وقتنا هذا؛ فحدث ولا حرج؛ فالخطب جليل، والهول عظيم لمن تأمل فيما خلَّفته الصناعة الإعلامية من بوائق على الإنسان؛ على روحه وبدنه سواءٌ بسواء.

وفي مجال المال والاقتصاد والتجارة والربح؛ الذي جعلوه عصب الحياة ومدار استمرارها على هذه الأرض؛ فلأجله استعمرت الدول، واشتعلت الحروب، واستعبدت الشعوب، وأبيدت أمم، ومُحقت الطبيعة محقا؛ حيث أن في الحقيقة كل الأمثلة التي سبقت؛ إنما تنبع جميعا من فكرة خدمة المال؛ الذي سموه زورا وبهتانا الاقتصاد؛ ولكن كنهه وسره هو عين الإسراف والغلو في هذه الحياة الدنيا… فاستحل الإنسان الغربي كل ما حرمته الأديان والشرائع؛ لهثا وراء المادة واكتناز الأموال.

وهكذا هو الحال تقريبا في سائر مجالات الحياة البشرية، والحيوانية، والبيئية؛ و »الحكم للغالب » و »النادر لا يقاس عليه ».

فنمط الحياة الماضي قبل ظهور هذه الحضارة الغربية البائسة كان أكثر أمانا للبشر؛ فقد كان الإنسان آنذاك أكثر سعادة وأقرب من ربه؛ معبوده وخالقه… وكان أقرب إلى أهله وذويه وأحبابه، وأحن عليهم.

ولا ننسى أيضا، ولا يجوز أن ننسى، أن هذه الحضارة قد عملت على انتشار الإلحاد في العالم بشكل رهيب وغير مسبوق في تاريخ الأمم، وقد سعت بشكل استثنائي إلى إبعاد المسلمين عن دينهم الصحيح، ومكَّنت لأهل الزندقة والبدع والفسق، وصدَّرت أهل المجون والمُشوَّهين خُلُقيا وفكريا على أنهم أيقونات ونجوم ومشاهير! حصل كل ذلك عن طريق تكنولوجيا الإعلام؛ فانفتح الناس عليهم واتبعوهم…

وهذه الحضارة المشؤومة هي وراء جميع الانتكاسات البشرية طيلة قرون بعيدة وطويلة جدا، وهي سبب خروج الإنسان عن طبيعته التي فطره الله عليها إلى طبائع أخرى مناقضة لها؛ مناهضة لوحي ربِّ السماء؛ هي من وحي إبليس لأوليائه.

وبهذا النزر القليل مما ذكر، وبغيره من كثير مما لم يُذكر: تعلم أيها القارئ الحصيف أن أولئك الذين راموا انصاف الحضارة الغربية = لم يوفقوا لذلك؛ لأن الحقيقة في غير ذلك؛ ولا يمكن للإنصاف؛ في أي مجال أو موضوع؛ أن يكون خارجا عن دائرة الحق والحقيقة.

وكتبه د. أبو فهيمة عبد الرحمن عياد.

موقع العلم والعمل

https://scienceetpratique.com/13593-2/