الكذب على الناس جرم عظيم وتحته فروع من الجرائم

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

فما كان منهج السلف الصالح بالتكثر والتجمع والتكتل؛ وإنما اتباع للهدى واستقامة على الحق والخير؛ فالسلفية منهج حياة كامل ومتكامل؛ يتعامل به أهل السنة فيما بينهم بمقتضى الكتاب والسنة بفهم الصحابة رضي الله عنهم بما تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم، ويتعاملون به فيما بينهم بمقتضى بشريتهم؛ فلا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتراحمون فيما بينهم ويتناصحون، ويعتقدون أن الله رحمن ورحيم وشديد العقاب، ولكن رحمته سبقت غضبه وعذابه، وأن ذلك مكتوب فوق العرش، وأن كل بني آدم خطاء؛ أي دائم الخطأ وكثيره؛ وأن من تاب؛ تاب الله عليه، وأن السلفية منهج رباني لا يملكه أحد؛ وإنما يتخذه المؤمن سبيلا إلى الله وحده؛ يعبر به إلى الدار الآخرة؛ ليرجع إلى وطنه الأول، وهي الجنة…

فالخطأ والتقصير وارد على كل أحد مهما كان؛ ولكن العيب والجرم فيمن يتعمد الخطأ والعصيان؛ بل ويصر عليه بعد البيان؛ ولا سيما كبائر الذنوب القلبية والظاهرة؛ وخاصة التي ترتبط بحقوق المسلمين والناس عموما، أو أعراضهم أو إلحاق الضرر والسوء بهم.

ومن أظهر وأشر الكبائر المتعلقة بالناس؛ تعمد الكذب عليهم، عياذا بالله جل وعلا.

واعلم أخي المبارك الموفق، أن تعمد الكذب وتحري الكذب؛ وهو من أعظم الكبائر؛ حتى قيل أن الكفر فرع عن الكذب؛ وكثيرا ما عبر الله سبحانه في كتابه عن الكفر باستعمال لفظ الكذب… فهو شر عظيم ومحض، وشر في ذاته ولغيره؛ حيث تتولد منه شرور عظيمة؛ حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه « شرُّ الرَّوايا روايا الكذب، وأعظم الخطايا اللِّسان الكذوب » (ذمُّ الكذب وأهله” لابن أبي الدُّنيا: 20): ؛ وقال « كلُّ الخِلالِ يُطوى عليها المؤمن، إلَّا الخيانة والكذب؛ »(نفسه)؛ وقال وقال يزيد بن ميسرة « الكذب يسقي باب كلِّ شرٍّ، كما يسقي الماء أصول الشَّجر » (نفسه: 32-33)…

وقد قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : أيكونُ المؤمنُ جبانًا ؟ قال : نعم، فقيل له : أيكون المؤمنُ بخيلًا ؟ فقال : نعم، فقيل له : أيكونُ المؤمنُ كذَّابًا ؟ فقال : لا! » قال العلامة الألباني رحمه الله حديث صحيح مرسلا. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : »وقال أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه :”يا أيها الناس! إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان.” (، ص: 24).

فاعلم أن تحري الكذب وتعمد الكذب يأخذ صورا كثيرة وتجتمع له أسباب متعددة؛ أهمها رقة الدين، وضعف الإيمان، وقلة الخشية له سبحانه ومراقبته؛ فصاحب القلب القوي؛ بإيمانه وعلمه بالله؛ لا يقع منه ذلك؛ فهذه أمور باطنية تتعلق بنفس المتعمد للكذب؛ ومن تلك الأسباب؛ أسباب أخرى بعضها أسباب خارجية؛ منها:

-المحيط والصحبة النافخة للكير؛ فالأصحاب؛ ولاسيما منهم من يقع مرارا في الكذب؛ سبب لانتقال هذا الشر فيما بينهم؛ ولن تجد صادقا يخالط كذبة ثبت كذبهم،

-الفتن واضطراب الأحوال؛ وخاصة المتسبب لها.

-المصالح والمآرب واستعجال ثمرتها؛ فيظن الكاذب أنه لا يصل إليها من أقصر طريق إلا بركوب مطية الكذب والكذبة،

-التأويل الفاسد؛ فيتأول للكذب ويبرر له بأمور تردها الشريعة..

-غلبة الحقد واشتعال العداء في جوف الكذبة، إلخ.

فنسأل الله جل في علاه أن يعيذنا من الكذب وأن يكفينا شر الكذابين، آمين، والحمد لله رب العالمين.

وكتب/ د. أبو فهيمة عبد الرحمن عياد

أستاذ محاضر في علوم اللسان – باللغة الفرنسية-

أطروحة عن المصطلحات الإسلامية في اللغة الفرنسية

موقع العلم والعمل