بسم الله الرّحمن الرّحيم
القُرْآنُ كِتَابُ الْهِدَايَة
لفضيلة الشّيح الدّكتور عبد الرّزّاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله تعالى
لقراءة المقال باللّغة الفرنسيّة
http://scienceetpratique.com/?p=1405
الحمدُ لله رب العالمين ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . اللهم انفعنا بالقرآن وارفعنا بالقرآن ، واجعلنامن أهل القرآن أهلك وخاصتك ، واجعل القرآن ربيع قلوبنا وضياء صدورنا وجِلاء أحزاننا وهمومنا ، اللهم ذكِّرنا منه ما نُسِّينا وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا .
القرآن -يا معاشر الكرم- كتاب السعادة وكتاب الفلاح وكتاب الهداية ؛ فلا اهتداء ولا سعادة ولا فلاح إلا بهذا القرآن ،{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[الإسراء:9]، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29] ، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق:45] ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:37] ، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَوَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء:82]، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ }[يونس:57] ، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[طه:123] ، {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:1-2]أي إنما أنزلناه عليك لتسعد .
القرآن -يا معاشر الكرام- وحي الله وتنزيله جل في علاه {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:192-195] ، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[السجدة:2]؛ الله عز وجل هو الذي تكلم بهذا القرآن ، وسمعه منه جبريل ، ونزل به جبريل على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فبلَّغه الأمة .
القرآن -يا معاشر الكرام- فيه ضياء القلوب ونور الصدور وشفاء الأسقام وسعادة العباد والنجاة في الدنيا والآخرة .
القرآن -يا معاشر الكرام- أُنس المؤمنين وسلوتهم وجلوةأحزانهم وشفاء غمومهم وهمومهم وأس سعادتهم وأساس فلاحهم وجنةٌ لهم معجلة في هذه الحياة الدنيا .من وفَّقه الله عز وجل للعناية بهذا القرآن تعلُّما وتعليمًا وتفقهًا وتدبرا وعملًا بهذا القرآن فهذه أمارة خيرية ودلالة فلاح ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) ، يكفي أهل القرآن شرفًا وفضلا ما جاء في الحديث الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام ((أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ)) ، يكفيهم شرفًا هذه الإضافة الدالة على تعلية شأنهم ورفعة مكانتهم وعلو منزلتهم وما لهم من اختصاصٍ عظيم في الشرف وعلو المنزلة .
القرآن -يا معاشر الكرام- أنزله الله سبحانه وتعالى للعباد ليهتدوا به وليكون ذكرى لهم وصلاحًا لقلوبهم كما قال الله عز وجل {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29]، فهو كتاب تذكرٍ وتدبرٍ وعقلٍ لمعانيه ؛ ولهذا نبَّه العلماء رحمهم الله تعالى أن المرء لا يكون منأهل القرآن بمجرد حفظ حروفه أو مجرد تلاوة آياته ، بل لابد من فهم معانيه والعمل به ، قال الله تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}[البقرة:121] قال العلماء : لا يكون المرء تاليا للقرآن حق التلاوة إلا بقراءة القرآن والعناية بحفظه ومجاهدة النفس على فهمه والعمل به . فإن العمل بالقرآن يُعد تلاوةً للقرآن ، فإن أصل التلاوة الاتباع كما قال الله عز وجل {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا}[الشمس:2] أي تبعها ؛فتالي القرآن من يتَّبع القرآن ؛ يأتمر بأوامره ، وينتهي عن نواهيه ، ويصدِّقأخباره ، ويجاهد نفسه على التخلق بأخلاق القرآن والتأدب بآدابه العظيمة ، ولهذا لما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ»؛ أي أن جميع ما في القرآن من أوامر وجميع ما فيه من نواهي وآداب وأخلاق قد امتثله على التمام والكمال واتصف به بأعلى المقامات ، فكان أسوة للعالمين وقدوة للمؤمنين كما قال الله سبحانه وتعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21].
أهنئ الآباء الكرام وأهنئ أيضًا الطلاب الأفاضل على ما أكرمهم الله سبحانه وتعالى به في هذا الحي من وجود هذا الجامع المبارك إن شاء الله «جامع أبي يوسف رحمه الله» والذي يعتني بجوانب كثيرة في باب الإصلاح والدعوة والتعليم والخير ؛ ومن ذلك هذه العناية العظيمة بأبناء المسلمين تعليمًا لكتاب الله عز وجل وشحذًا لهممهم وتقوية لعزائمهم وترغيبًا لهم وحظًا وحثا على العناية بكتاب الله جل وعلا ؛ فجزى الله القائمين على هذا المسجد والعاملين فيه خير الجزاء على جهودهم العظيمة وأعمالهم المشكورة ومساعيهم الحثيثة ، أسأل الله جل في علاهأن يتقبلها منهم بقبول حسن وأن يجعلها له خالصة وللعباد نافعة وأن يجزيهم عليها عظيم الجزاء وجزيل الثواب ، وأن يُجري في هذه الحلقات الخير العظيم والنفع العميم ، وأن يُقرَّ أعين الجميع عامًا تلو عام بتخرج أبناء تلو أبناء يحملون كتاب الله حفظًا وعناية وضبطًا وإتقانا .
وإن كان لي من وصية فإني أوصي القائمين على هذه الحلقات وعلى الأساتذة الكرام والمعلمين الأفاضل أن يعنوا بهؤلاء الأبناء تربية على القرآن وتأديبًا لهم بآدابه فإن هذه هي الثمرة المرجوة ، وإلا إن كانت العناية بالحفظ فقط فلربما كان القرآن حجة على المرء لا له؛ ولهذا من الواجبات العظيمة والمهمات الجسيمة أن يُعنى القائمون على تعليم القرآن بتربية الأبناء على آدابه وأخلاقه العظيمة ، ولهذا أرى أن من الخطوات الجيدة التي خطاها القائمون على هذه الحلقات أن جعلوا من ضمن البرامج حفظ ما يتعلق بالأذكار النبوية والآداب المأثورة عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حفزًا لهؤلاء الناشئة على العناية بالذكر والآداب التي ينبغيأن يتحلى الأبناء بها .
من الواجبات العظيمة على المعلمين حث الأبناء على الصلاة وتعظيمها وحسن إقامتها والعناية بأركانها وشروطها وواجبتها ، وحثهم على بر الوالدين والقيام بحقوقهم والمعرفة بأقدارهم والواجب نحوهم .
من الواجب على المعلمين نهي الأبناء عن المنكرات وأبواب الإثم وخلطاء السوء وأجهزة الشر التي كثرت في هذا الزمان صيانةً لهم وحفظا لعقيدتهم وأخلاقهم وآدابهم .
أسأل الله عز وجلأن يبارك في هذه الجهود العظيمة وأن يعظِم الأجر للجميع ، وأن يزيدنا جميعا عناية بالقرآن قراءةً وحفظا وتأدبًا بآداب القرآن وعملًا بهإنه تبارك وتعالى سميعٌ قريب ، وأن يزيدناأجمعين هدى وصلاحا وتوفيقا ، وأن يثبتنا على الحق والهدى إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبهأجمعين .
المصدر: موقع الشّيخ حفظه الله تعالى