أثر الكلمة الطيبة على الفرد والمجتمع
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
فمن العبارات الجميلة السائرة في مجتمعنا المسلم؛ الباعثة على الثقة بالله سبحانه وتعالى والحاثة على التفاؤل؛ عبارة وجيزة، لطيفة، صادقة، وحكيمة؛ كان الشيوخ الحكماء يتناقلونها بينهم وكنا نسمعها ونحن أطفال؛ وهي قولهم: « الخير للقدام » أو « الخير جاي « …
ولقد « كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن ويكره الطِيَرة »، صححه الألباني، وكان يقول به؛ والفأل هو الكلمة الطيبة، كما ثبت في الصحيحين أن الصحابة سألوه « وما الفأل الحسن »؛ فقال « الكلمةُ الصَّالحةُ يَسمَعُها أحَدُكم »؛ وكان صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الحسنة ويخبر بأفضلها، ويتأوَّل الاسم الحسن على الخير، ويغير الاسم إذا كان معناه سيئا؛ فيقول مثلا « أحبُّ الأسماءِ إلى اللهِ: عبدُ اللهِ وعبدُ الرحمنِ، وأصدقُها حارثٌ وهمامُ » صححه الألباني »، وسأل مرة رجلا عن اسمه فقال « اسمي حَزَن »؛ أي من الحُزونة؛ وهي الصعوبة والعسر؛ فقال له صلوات ربي وسلامه عليه: « أنت سهل! » فقال الرجل: « لا أُغيّر اسمًا سمّانيه أبي. » قال أنس رضي الله عنه: « فما زالت فيهم الحُزونة بعد. » الحديث رواه البخاري؛ وأحب أسماء أخرى وتفاءل بها مثل سُليْم، وسهل، وعبد الله، وعبد الرحمن، وناجية، وكان خادمه، وبرة غيرها إلى جويرية؛ وهي زوجه جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها، غير اسمها لما كان يحمله من معنى التزكية للنفس، وغير أسماء أخرى كغاوية، وحرب، وغيرها؛ … كما ثبت ذلك كله في سيرته العطرة وفي سنته المطهرة؛ وكان يأمر بالتنفيس عن المريض؛ وهو بعث الأمل فيه؛ وفي صحته؛ وربط قلبه بربه؛ فيقوى توكله عليه سبحانه ويشتد عزمه على رجاء الشفاء…؛ وكان يباشر ذلك بنفسه؛ فإذا دخل على مريض قال له « لا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ « البخاري؛ وكان أيضا صلوات ربي وسلامه عليه يحب البشرى ويأمر بها ويباشرها بنفسه؛ فيقول « بشروا ولا تنفروا… »؛ وقال لكعب بن مالك لما نزل الوحي بتوبته وصاحبيه؛ وكان جالسا مع أصحابه بعد صلاة الفجر : » يا كعب بن مالك، أبشِر بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتك أمك! » فقال كعب: » أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ » فقال صلى الله عليه وسلم « بل من عند الله! » روله البخاري… إلى غير ذلك مما ثبت في سنته صلى الله عليه وسلم.
فما أحرى بالناس اليوم نشر هذا الأسلوب في التعامل مع الحياة؛ ولاسيما مع تكاثر المحن وتكالب الأعداء على أمة الإسلام السمحاء…
ومع ذلك؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو سيد المبشرين بكل خير؛ الباعثين على حسن الظن بالله المُصبِّرين لأصحابه وأمته؛ فمع ذلك كله وغير ذلك؛ كان يعمل لتحقيق ذلك ويأمر أمته بالعمل؛ فإن نشر روح التفاؤل ورجاء الخير فيما هو قادم؛ لا بد أن يرافقه العمل والاجتهاد في أبواب الخير وما ينفع العامل به نفسه وينفع به إخوانه وأمته؛ وبذلك يصح الرجاء وينسجم حسن الظن بالعزم الحسن.
ولقد خلق الله العباد للعمل ولم يخلقهم للدعة وللكسل ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))؛ وقال عليه الصلاة والسلام « اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له » مسلم.
واعلم أخي الموفق؛ أن أعظم العمل ما جمع بين عبادة الله وحده ونفع خلق الله؛ والعبادة لا شك أنها عمل؛ بل العبادة هي التي تُصلح العمل وتُديمه (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ …))، فقال ومحياي ومماتي؛ وهي الفترة الزمنية من عمر الإنسان التي يقع فيها الجد والعمل.
وإذا ما نظر الإنسان إلى الحياة بهذه النظرة؛ ورأى وجوده فيها من هذه الرؤية؛ لم تغيره تقلبات الدهر ولا انقلابات البشر، واجتماع قوى الشر على أهل الخير؛ لأنه يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويعمل به: » فكل الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَهُ فمعتقُها أو موبِقُها » صححه العلامة الألباني رحمه الله؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: « يعني كل الناس يغدون إلى الأعمال والغدو : هو الذهاب صباحاً؛ هذا الغدو؛ كل يبيع نفسه؛ ولكن منهم من يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله؛ فيُعتقها و منهم من يبيعها للشيطان؛ فيُوبقها، وهذا كقوله القرآن حجه لك أو عليك نعم. » شرحه على صحيح مسلم.
وكتب أخوكم/ د. أبو فهيمة عبد الرحمن عياد
أستاذ محاضر في علوم اللسان
أطروحة عن الألفاظ الإسلامية في اللغة الفرنسية
موقع العلم والعملScience et pratique/