ماذا دهاهن؟!

PDF

ما بال جواري هذا الزمن؟! تعمد إحداهن إلى تصوير نفسها من خدرها في عقر دارها في كامل زينتها؛ ثم تنشر ذلك على العالمين في الأنترنت ووسائل التواصل بحجة أنه يوم عيد!! وهذا لا شك أنه أحد أظهر صور انحطاط مجتمعاتنا العربية.

ولقد كانت الجواري أيام النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم يضربن الدف للنساء في بيوت مالكهن؛ تعبيرا عن الفرح والسعادة؛ بانقضاء موسم من مواسم الطاعات وتوفيق الله للمسلمين لقضائه فيما يرضيه؛ كما فعله بعض الجواري عند النبي ﷺ، وقال لما أنكر عليهن أبو بكر قال: دعهن فإن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا أهل الإسلام »؛ والحديث متفق عليه.

فعن عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه، دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تُدَفِّفَانِ، وتضربان، والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه، فقال: «دعهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد»، وتلك الأيام أيام منى، وقالت عائشة: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «دعهم أَمْنًا بني أَرْفِدَة».  حديث رواه البخاري ومسلم. وتأمل قولها رضي الله عنها : » والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بثوبه (أي ساترا لنفسه)… رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة… »

أما في زمننا؛ وما أدراك ما زمننا؛ فقد انتقل التعبير – عند البعض – عن السعادة والفرح بأيام الله إلى التعبير عن المفاتن والعياذ بالله.

وليَعلم من أراد أن يعلم، أن الشرائع كلها جاءت بحفظ الحياء في الرجل والمرأة على السواء؛ ولقد أكدته شريعة الإسلام العظيمة السمحاء؛ فجعلت الجياء خلقا لها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: « إنَّ لِكُلِّ دينٍ خُلُقًا، وإنَّ خُلُقَ الإسلامِ الحياء. » صحيح ابن ماجه للألباني، ويتأكد ذلك على النساء.

فالحياء زينة المرأة وعنوان كبريائها، وعزتها، وهيبتها؛ ويقل ذلك في النساء وينقص كلما نقص فيهن خلق الحياء؛ وإذا ما شردت المرأة عن حيائها؛ استشرفها شيطان الإنس والجن من كل مكان؛ فتضحى يعد ذلك آلة للفتنة؛ بعدما كانت بَنَّاءةً للأجيال صانعةً للأمم.

ولقد خلد الله عز وجل صورا عجيبة (ليست كصور بنات عصرنا؛ فشتان بين الصورة والصورة!) من حياء بعض عاقلات الأمم وتقيات نساء بني آدم؛ فانظر مثلا صفة بنات شعيب في قصة موسى عيه السلام؛ حيث ذكر الله سبحانه تلك الحيثيات الدقيقة التي فيها ألف وألف درس تربوي وأخلاقي وتقويمي لسلوكياتنا؛ فقال تعالى ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

فسرح ناظريك واملأ سمعيك يا من جعل الله له قلب يفقه به؛ فنجاه بذلك من طبائع أهل النفاق الذين قال الله فيهم (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا)؛ فتأمل تلك المعاني المُعجِزة؛ يفتح الله عليك من بركات القرآن العظيم في الأدب، والخلق، والفهم، والذكاء، والزكاء؛ ما لن تجد مثله في كتب الفلاسفة والحكماء، ولا على مقاعد مدرجات الجامعات… لن تجد ذلك إلا في كتاب الله العزيز الحكيم وسنة رسوله العظيم.

واقرأ أيضا قول الملكة العاقلة؛ صاحبة الثوب الطويل؛ التي شهدت لها أحداث قصتها في القرآن عن قوة عقلها وتمام رزانتها؛ إنها ملكة سبأ، وما أدراك ما سبأ.

فأخبرنا القرآن العظيم عن بعض تفاصيل ورودها على النبي العظيم سليمان، وما أدراك ما سليمان؛ عليه السلام؛ حيث قال الله سبحانه (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44))؛ فكشفت عن ساقيها؛ ولا يُكشف إلا عن مستور؛ ولا يُستر إلا الغالي والنفيس…؛ فتأمل.

 فما بال بعض نسائنا؟ وماذا دهاهن؟ وأين هن تلك الخالدات وأين هن منهن؟!

وكذلك الأمر في سنة وسيرة نبينا الشريفة العطرة؛ سيد البشر؛ صلى  الله عليه وآله وصحبه أجمعين وسلم؛ فسرِّح ناظرك في ربوعها أيها المؤمن؛ يامن ألهمه الله الذكاء وحاطه لك بسياج التقوى والزكاء؛ فغدوت عنوانا للخير في أمتك وباعثا فيها النفع والنماء؛ تأمل في قصة أمنا أم المؤمنين؛ الصديقة بنت الصديق الأكبر أبي بكر: عائشة رضي الله عن أبيها وعنها وأرضاهما.

فعن السيدة عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «  كنتُ أدخلُ بيتيَ الَّذي فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وإنِّي واضعٌ ثوبي وأقولُ: إنَّما هوَ زَوجي وأبي فلمَّا دُفنَ عمرُ رضيَ اللَّهُ عنْهُ معَهم فواللَّهِ ما دخلتُهُ إلَّا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي حياءً من عُمرَ. » رواه أحمد وغيره، وقال العلامة الألباني رحمه الله: ورجاله رجال الصحيح؛ فالتدبر؛ والصمت والاطراق عند قراءة هذا الأثر يغنيك عن كل تعليق؛ والله المستعان وعليه التكلان.

فالله الله في نسائكم معاشر أهل الإسلام، والله الله في أنفسكن معاشر نساء الإسلام؛ والله وحده الموفق لكل خير والمعين عليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

تنبيه: محتوى هذا النص مستل من مقدمتي وتعليقاتي على رسالة الحجاب، لما كنت طالبا في علوم اللسان في جامعة السوربون وطالبا في معهد الغزالي لتخريج الأئمة؛ بباريس؛ عام 2006؛ والرسالة نشرت سنة 2007، وقدم لها آنذاك أحد مشايخ الجزائر.

وكتب/ أخوكم: د. أبو فهيمة عبد الرحمن عياد

أستاذ محاضر في علوم اللسان

موقع العلم والعمل