الكلمة الطيبة

بسم الله الرحمن الرحيم ، فالكلمة الطيبة والابتسامة في وجه أخيك المسلم: تسديها له وأنت تسلم عليه، ولو لم تعرفه، من الأسباب الباعثة على المحبة في المجتمع المسلم، وهي مع ذلك أيضا من الأعمال اليسيرة ذات المغانم الكثيرة والأجور الوفيرة؛ منها إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته البررة الكرام رضي الله عنهم، والاستجابة لأمره عليه الصلاة والسلام في قوله: »افشوا السلام بينكم. » وكذا تحقيقا للإيمان بخبره والرجاء في المثوبة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: »تبسمك في وجه أخيك لك صدقة. »
والمؤمن لا ييأس من كثرة ما يراه من حوله من تغير الحال إلى ما لا يرضي الله جل وعلا من انتشار بعص المعاصي وفساد بعض الناس، بل يقاوم ويناضل لأجل إصلاح الأمور ما أمكنه إلى ذلك سبيلا، يفعل ذلك وهو يرجو الله جل وعلا أن يجعله من زمرة أهل السنة الطائفة المنصورة، وهم الغرباء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: »…يصلحون ما أفسد الناس. »
وهذا العمل الجليل، أول من يقوم به هم العلماء وأتباعهم، وفق ما يحبه الله ورسوله من اتباع الشرع والإصلاح بالعلم وتحقيق الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، مع التجرد لله، وهذا لا شك أنه يستوجب جهادا طويلا للنفس وبلا كلل؛ لأن من أراد أن يغير ما حوله: عليه أولا وقبل كل شيء أن يغير ما في نفسه، وذلك بإصلاحها وتنقيحها، وعلى هذا ربى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته وزكاهم وحملهم على جهاد أنفسهم قبل جهاد عدوهم؛ أي قبل السعي لتغيير الحال من الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة.
والمؤمن الصادق بحق يقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم، فيتبع طريقته ويحيي سنته في هذا الباب.
ولهذا وجب على كل من ينتسب إلى السنة ونهج السلف الصالحين الذي سيدهم هو النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب عليه أن يتعلم سنته ويحيي أثره؛ فبذلك وحده يتمكن من نشر الخير وإصلاح ما أفسده الناس.
وللكلمة الطيبة والابتسامة بصدق، كما مر في أول المقال، الأثر العظيم في إصلاح من تريد نصحه، لأنك تعلم أنه انحرف في ناحية من نواحي الشريعة أو المنهج، ومع الابتسامة والكلام الجميل المدفوع صدقة في سبيل إصلاح أخيك المسلم: الصبر وتحمل ما سيصدر منه مما يؤذيك؛ فما استجلب خير قط بمثل ما يستجلبه الصبر والرفق، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: »إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه. » هذا هو الأصل العام.
فكم نحن بحاجة إلى معرفة سيرة نببنا صلى الله عليه وسلم، كيف كان يتعامل مع من حوله، ومع أصحابه، ومع غيرهم من المسلمين وغير المسلمين؛ فنسعى جاهدين مع الصبر والاحتساب إلى إصلاح ما أفسده الناس من سنته ومن طريقة السلف الصالح.
ونحن لنا في علمائنا في هذا العصر من جعلهم الله مثالا لنا نقتدي بهم ونهتدي بهداهم الذي هو تجسيد لهدى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
ومن زمرة هؤلاء العلماء الأكابر في هذا العصر: الأئمة ابن باز والألباني وابن عثيمين ومقبل الوادعي واللحيدان، وغيرهم رحمهم الله جميعا، وكذا إخوانهم علماء السلف الأحياء الأكابر، علما وسنا، من أمثال الفوزان والربيع والعباد والجابري والمفتي، وغيرهم حفظهم الله جميعا.
فإن من اقتفى الأثر، وعلم الله منه الصدق والإخلاص والصبر، لا زال الله عز وجل يفتح عليه بالنعم ما يجعله صالحا مصلحا، وهذا يشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: »لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة. »
والحمد لله رب العالمين.