لفضيلة الشّيخ الدّكتور عبد الرّزّاق بن عبد المحسن البَدر حفظه الله تعالى
Pour lire l’article en français, aller sur:
http://scienceetpratique.com/?p=1715
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ لله رب العالمين ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها آنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها. أما بعد :
معاشر الكرام : إن نعمة الله عز وجل علينا أجمعين عظيمة بشهود هذه الصلاة ؛ باكورةُ الخير في اليوم ومفتاحه ، فإن أول اليوم شبابه ، وممن شبَّ على شيء شاب عليه . فإذا أكرم الله سبحانه وتعالى عبده المؤمن بهذه الصلاة فقد وفِّق لخيرٍ عظيم .
والصلاة -يا معاشر الكرام- هي قرينة الفلاح ، والفلاح ثمرتها ومن آثارها ؛ ولهذا اقترن النداء إلى الصلاة بالنداء إلى الفلاح اقترانًا متكررًا في كل نداء إلى الصلاة ، حتى إن عدد قول المؤذن في اليوم والليلة «حي على الصلاة حي على الفلاح» بعدد ركعات الصلاة المفروضة ؛ سبع عشرة مرة في اليوم والليلة ، يتكرر على مسامع المسلمين «حي على الصلاة حي على الفلاح» ، والصلاة عمل والفلاح ثواب هذا العمل . قد قال العلماء -النووي رحمه الله وغيره- ليس في كلام العرب كلمة أجمع من كلمة الفلاح في حيازة الخير في الدنيا والآخرة . «الفلاح» كلمة جامعة تعني حيازة الخير ونيله في الدنيا والآخرة .
وهذا النداء المتكرر على مسامع المسلمين «حي على الصلاة حي على الفلاح» فيه في الوقت نفسه تنبيه إلى أن من لا يجيب لنداء الصلاة ليس بمفلح وليس من المفلحين ؛ لأن الصلاة من أعظم صفات المفلحين وأبرزها ، ولهذا لما ذكر الله سبحانه وتعالى صفات المفلحين في أول سورة المؤمنون بدأها بالصلاة وختمها بالصلاة خشوعًا ومحافظة ، قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} .
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أعمال المفلحين وصفاتهم في أوائل سورة البقرة ذكر الله سبحانه وتعالى من جملتها إقام الصلاة ، قال الله تبارك وتعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}
وهذا السياق العظيم في ذكر صفات المفلحين فيه أن صفاتهم تجمع أمرين : صحة العقيدة ، واستقامة العمل ؛ فعقيدتهم -أي المفلحون- عقيدة المفلحين عقيدة صحيحة قويمة { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} : أي بكل ما غاب عنهم مما أخبرتهم به رسل الله ، فيؤمنون بالله والملائكة والكتب واليوم الآخر إلى غير ذلك من أصول الإيمان العظيمة { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ؛ «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» استقامة العمل وصلاحه ، جمع أهل الفلاح بين صحة المعتقد؛ معتقدهم صحيح إيمانهم قويم ، وصلاح العمل ؛ أعمالهم صالحة وقرباتهم عظيمة لله سبحانه وتعالى ، وأعظم أعمالهم وقرباتهم التي يتقربون بها إلى الله إقامة الصلاة المفروضة في أوقاتها كما أمر الله {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]
ومثل هذه الآيات في أوائل سورة البقرة ما جاء في أوائل سورة لقمان الحكيم حيث ذكر الله سبحانه وتعالى صفات المفلحين صحةً في المعتقد وصلاحًا في العمل ، قال الله عز وجل في أول السورة: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} .
وفي أواخر سورة الحج لما ذكر الله سبحانه وتعالى صفات المفلحين ذكر صفاتهم الركوع والسجود والخضوع والذل لله سبحانه وتعالى آمرًا المؤمنين بهذه الصفات ليفلحوا ، قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)}؛ ولهذا لا فلاح بدون الصلاة ، لا ينال العبد الفلاح بدون الصلاة ، الصلاة هي عنوان الفلاح وبوابة الخير والمعونة عليه كما قال الله سبحانه وتعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}[البقرة:45] ، الصلاة معونة على كل خير ، الصلاة لا تعيق عن الخير بل تعين عليه .
ولهذا ينبغي على المؤمن أن يحمد الله سبحانه وتعالى على نعمة المعونة على الصلاة ، وأن يسأل الله دبر كل صلاة كما علَّمنا نبينا عليه الصلاة والسلام المعونة عليها وعلى كل خير «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» ، تدخل الصلاة في جملة هذا الدعاء دخولًا أوليا ، فكل مرة تصلي تدعو الله أن يعينك على الصلوات القادمة وأنواع الطاعات والقربات وعموم الذكر لله سبحانه وتعالى
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا أجمعين وذرياتنا من المقيمين الصلاة ، من أوليائه المفلحين وعباده المقربين ، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم اقسم لنا من طاعتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
المصدر: موقع الشّيخ حفظه الله