بسم الله الرحمن الرحيم
جنايَةُ منهج التَّمييع على الإسلام والسُّنَّة
أبو فهيمة عبد الرَّحمن عياد البجائي
اضغط على الرابط لتحميل المقال: جنايَةُ منهج التَّمييع على الإسلام والسُّنَّة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبيِّنا محمَّد، وعلى آل بيته الطَّيِّبين المطيَّبين، وجميع صحابته الغرِّ الميامين، وعلى من اتَّبع سبيلهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدَّين، وعلى عدوان إلَّا على الظَّالمين.
أمَّا بعد: فإنَّ مُنتهى منهج التَّمييع والتّضييع ومٱلُه هو تقويض الإسلام من أصوله والفتك به فَتكًا، وذلك أنّ مجالسةَ أهل البدع والأهواء والمنحرفين المخالفين لمنهج السَّلف الصَّالح؛ الذي هو الإسلام الحقيقيُّ الصَّحيح الذي كان عليه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان؛ فمجالسةُ المبتدعة، ومُصَافَّاتِهِم، والتَّعاون معهم في الدَّعوة -وهذا هو التَّمييعُ بعينه- كما هو حالُ المُخالفين؛ مِمَّن يدَّعي السَّلفيَّة زورًا وبهتانًا، وهم في الواقع معاول لهدم السَّلفيَّة: بتحريفها وإخراجها عن حقيقتها وإبعادها عن مصادرها الأصيلة.
فهذا لا شكّ أنّه سيَضرب الإسلام في أصوله، وَيطْمِسُ مَعَالِمَه، ويُخْفِت أنوارَه، ويُوهنُه بشكلٍ يصبح مع تقادم الزمن مجرّد صورة شكليَّة، نمطيَّة، جوفاء، موازية للصُّورة الحقيقيَّة للإسلام الصَّحيح؛ وما هذه الفرق والأحزاب المنتشرة في الأمَّة، المهتدية بغير هدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته الكرام رضي الله عنهم جميعا بانتهاجها البدع والمحدثات والخرافات، إلَّا حكايةً لدليل هذا الواقع المرير، والذي أخبر عنه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله : »افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النَّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النَّار إلَّا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. « رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم، وخرَّجه الألباني في صحيح التِّرمذي، والله وحده المستعان.
وما ذلك الهدم للسُّنَّة والإسلام إلّا لأَنَّ المُمَيِّعةَ وَضَعُوا أيدِيَهُم في أيدي المنحرفين عقديًّا، ومنهجيًّا، وفكريًّا، بشتَّى صنوفهم وطبقاتهم ومشاربهم، كمن يقول: « منهج السَّلف أسلم، ومنهج الخلف أعلم وأحكم » و« نتعاون فيما اتَّفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه » و« اقرأ لكلِّ أحد، فستعرف الحقَّ من الباطل » و« اليهود والنَّصارى إخواننا » و« أنت حرٌّ فيما تعتقد » و« الحريَّة مقدَّمة على الشَّريعة » و« إحياءُ الموالد مستحبٌّ » و« نصحِّح ولا نجرِّح » و« إذا حَكَمت حُكِمت » و« المظاهرات أباحتها الشَّريعة » و« اغضب ! اغضب ! » و« ثوروا ! ثوروا ! » يقصدون على الحكَّام و« الثَّورات المباركة »، يعني ما سُمِّي كذبًا وزورًا الرَّبيع العربي، و« إذا رأيت شيخك يخالف الشَّريعة، فلا تسئ الظَّنَّ به؛ فهو أعلم منك » و« الكلام في ابن الشَّيخ، طعنٌ في الشَّيخ » و« اعتقد ولا تنتقد » و« الصَّلاةُ في الأضرحة تجوز » و« الاستغاثة بالأولياء جائزة شرعًا » و« الله في كلِّ مكان »… ((سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا)) و((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)).
وغيرها ما لا يحصى من طَوامِّ أهل الباطل والأهواء: الذين جعلوا المُمَيِّعَةَ جِسرا لتَمرير معتقداتهم ومناهجهم التي ستؤول بالإسلام إلى الاضمحلال لا سمح الله.. فالحذر كلَّ الحذر من المُمَيِّعَةِ، والله من وراء القَصْد، وهو الهادي إلى سواء السَّبيل.
عن عبد الله ابن مسعود رَضي الله عنه أنه قال: »ليسَ عَامٌ إلَّا والذي بعدهُ شرٌ منه، لاَ أقولُ؛ عامٌ أمطر من عام، ولا عامٌ أخصب من عام، ولا أمير خيرٌ من أمير، لگن ذَهاب عُلمائكم وخياركم، ثُم يحدثُ أقوامٌ يقيسونَ الأمور بآرائهم فيهدم الإســــلام ويُثلَمُ. » (البدع لابن وضَّاح: 61-62).
فإن قيل: وما العلاج؟
فإنَّ العلاج في ترك أهل الباطل وترك الجلوس إليهم، ونشر السُّنَّة ومنهج السَّلف، فبذلك تُصفَّى السُّنَّة ويصفو طريقُها للنَّاس، ويخَلَّص الإسلام من شوائب الأهواء والانحراف العَقَديِّ والمَنْهجيِّ والفكريِّ..
قال أبو سليمان الدَّاراني -رحمه الله-: « من صفَّى صُفِّي له، ومن كدَّر (يعني خلَّط) كُدِّر عليه. » (ذم الهوى لابن الجوزي: 1/185)؛ فاللهمَّ وفِّقنا لالتزام منهج السَّلف في هذا الباب.
قال العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى وعافاه- : » فنحن نحذِّر الشَّباب السَّلفيِّ من مخالطة أهل الأهواء، والاستئناس بِهم، والرُّكون إليهم، فليعتبروا بِمن سلف ممَّن كان يغترُّ بنفسه ويرى نفسه أنه سيهدي أهل الضَّلال، ويردَّهم عن زيغهم وضلالهم؛ وإذا به يترنَّح ويتخبَّط ثم يُصرع في أحضان أهل البدع.
وقد مضت تَجارب من فجر تاريخ الإسلام، فأُناسٌ من أبناء الصَّحابة لمَّا ركنوا إلى ابن سبأ؛ وقعوا في الضَّلال.
وأناس من أبناء الصَّحابة والتَّابعين لمَّا ركنوا إلى المختار بن أبي عبيد؛ وقعوا في الضَّلال.
وأناس في هذا العصر ركنوا إلى كثير من الدُّعاة السيَّاسيِّين الضَّالين ومن رؤوس البدع؛ فوقعوا في حبائل أهل الضَّلال.
كثيرون هم وكثيرون جدًّا، ولكن نذكر منهم قصَّة عمران بن حطان، كان من أهل السُّنَّة وهوى امرأة من الخوارج، فأراد أن يتزوَّجها ويهديَها إلى السُّنَّة، فتزوَّجها؛ فأوقعته في البدعة، وكان يريد أن يهديها فضلَّ بسببها.
وكثيرٌ من المنتسبين إلى المنهج السَّلفي يقول: أنا أدخل مع أهل الأهواء لأهديَهم فيقع في حبائلهم.
عبد الرَّحمن بن ملجم، وعمران بن حطان؛ كلاهما كان ينتمي إلى السُّنَّة ثمَّ وقعا في الضَّلال، وأدَّى بعبد الرَّحمن بن ملجم فجورُه إلى أن قتل عليّاً، وأدَّى بعمران بن حطان فجوره إلى أن مدح هذا القاتل -نسأل الله العافية- قال:
يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بِها إلَّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنِّي لأذكره حينًا فأحسبه أوفى البريَّة عند الله ميزانا
أكرِم بقوم بطون الطَّير أقبُرهم لم يخلطوا دينهم بغيًا وعدوانا
إلى آخر أبيات رديئة قالها في مدح هذا المجرم، بارك الله فيكم.
وحصل لعبد الرَّزَّاق من أئمَّة الحديث أن انخدع بعبادة وزهد جعفر بن سليمان الضبعي، وأنِس إليه؛ فوقع في حبائل التَّشيُّع.
وانخدع أبو ذرٍّ الهروي -راوي الصَّحيح بروايات، و كان من أعلام الحديث- انخدع ، بروايات بكلمة قالها الدَّارقطني في مدح الباقلانّي؛ فجرَّته هذه الكلمة في مدح الباقلانّي إلى أن وقع في حبائل الأشاعرة، وصار داعية من دعاة الأشعريَّة؛ وانتشر بسببه المذهب الأشعري في المغرب العربي، فأهل المغرب يأنسون إليه، ويأتونه ويزورونه، ويبثُّ فيهم منهج الأشعري، وهم قبله لا يعرفون إلّا المنهج السَّلفي؛ فسنَّ لهم سنَّة سيِّئة، نسأل الله العافية.
كما قال النَّبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام » :من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزارهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا . » ؛ فنسأل الله العافية.
والبيهقي انخدع ببعض أهل الضَّلال، كابن فورك وأمثاله، وكان من أعلام الحديث فوقع في الأشعريَّة. قد يكون هناك جاهل يثق، ويغترُّ بها، وليس عنده علم يحميه؛ فهذا أولى مئات المرَّات بالوقوع في البدعة من هؤلاء.
وفي هذا العصر أمثلة كثيرة ممَّن عرفناهم كانوا على المنهج السَّلفي؛ ولمَّا اختلطوا بأهل البدع ضلُّوا؛ لأنَّ أهل البدع الآن لهم أساليب، ولهم نشاطات، ولهم طرق – يمكن ما كان يعرفها الشَّياطين في الوقت الماضي- فعرفوا الآن هذه الأساليب وهذه الطُّرق وكيف يخدعون النَّاس؛ فمن أساليب أهل الأهواء المعاصرين: أنَّك تقرأ وتأخذ الحقَّ وتترك الباطل، كثير من الشبَّاب لا يعرف الحقَّ من الباطل، ولا يميِّز بين الحقِّ والباطل، فيقع في الباطل يرى أنه حقٌّ، ويرفض الحقَّ يرى أنه باطل، وتنقلب عليه الأمور، وكما قال حذيفة رضي الله عنه » :إن الضَّلالة كلَّ الضَّلالة أن تنكر ما كنت تعرف، وتعرف ما كنت تنكر. »
فترى هذا سائراً في الميدان السَّلفي والمضمار السَّلفي، ما شاء الله، ما تحسُّ إلَّا وقد استدار المسكين، فإذا به حربٌ على أهل السُّنَّة، وأصبح المنكر عنده معروفًا، والمعروف عنده منكراً، وهذه هي الضَّلالة كلُّ الضَّلالة، فنحن نحذِّر الشَّباب السَّلفي من الاغترار بأهل البدع والرُّكون إليهم. » اه. من مقال الشيخ العلّامة ربيع -حفظه الله تعالى- « تحذير أهل السّنّة السّلفيّين من مجالسة ومخالطة أهل الأهواء المبتدعين ».[1]
وسبحانك اللّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلَّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
…………………..
[1] والمقال منشور على موقع الشَّيخ -حفظه الله- العامر-: http://www.rabee.net/ar/articles.php?cat=8&id=325