الدعوة إلى منهج السلف
السلفي الصادق في سلفيته يتبع المنهج السلفي الأصيل؛ الذي هو الإسلام الصحيح الصافي كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ونقله إلينا صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين ((ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ))؛ فيتبع هذا المنهج الرباني في كل مسائل الدين اعتمادا على الأدلة المستفيضة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك فالسلفي يدافع عن منهجه ويدافع عن هذه الدعوة السلفية السنية المباركة = بالعمل بها والدعوة إليها، والسعي في نشرها، و الاجتهاد في نصرها بما يرضي الله تبارك وتعالى، فلا يلجأ في سبيل ذلك إلى شيء من طرق ووسائل غير أهل السنة، والتي قررتها الشريعة السمحاء وبينها أجلة العلماء.
فالسلفي يلتزم بالأصول والقواعد التي أسسها السلف على الوحيين، الكتاب العزيز والسنة المطهرة.
فوظيفة السلفي ومهمته وجل همه هو نصرة هذا المنهج الرباني وتقديمه للناس بأجمل وجه، سائرا في ذلك كله على هدي الكتاب والسنة، ووفق ما قرره العلماء الربانيون وبينوه من طريقة ومنهج الدعوة إلى الله تعالى، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ))؛ فالدعوة بالحكمة واستعمال الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن؛ يعني بانتقاء أجمل الأساليب، وأطيبها، وألطفها هو الأصل في كل دعوة يدعو بها المسلم غيره، وقال تعالى :((وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ))، ففيه إشارة إلى ترخيص استعمال الشدة على الظالمين؛ قصد الصد عن ظلمهم، وتخفيف شرهم، والكشف عن باطلهم؛ فيراه المدعو كما هو على حقيقته قبيحا، مشوها، كريها؛ يزيل عنه الداعي أغشية من ينمقه ويزوقه من المبطلين؛ فتنفر منه النفوس ولا تقبله.
فمدار الحياة كلها على هذا المنهج الرباني؛ الذي هو دين الإسلام النقي: الخالي من المحدثات والبدع والمخالفات؛ التي تخدش صفاءه أو تشوه صورته، فيراه الناس بغير وجهه الحقيقي؛ فيضعف إيمانهم ويختل تدينهم، وهذا يبين عظم جرم أهل البدع والأهواء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:”مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ.” رواه مسلم.
والله تعالى لما أمر العباد باتباع هذا الدين والتمسك بهذا النهج المستقيم، إنما أمرهم بإخلاص العبادة له واتباع الحنيفية السمحة؛ التي تدعو إلى الإخلاص والتجرد لله جل وعلا والبعد كل البعد عن الشرك وشعبه؛ من رياء، وسمعة، وحب للظهور، وسائر القوادح القلبية والفعلية التي تقدح في تدين المسلم لربه جل وعلا؛ هذا فيما يتعلق بعبادة القلوب، ثم أمرهم بغيرها من عبادات الجوارح كالصلاة وغيرها، والعبادات المالية، كالزكاة وغيرها، والتي يكون أسها وقاعدتها دائما وأبدا هو الإخلاص والمتابعة؛ لأن ذلك من مقضيات الحنيفية؛ قال الله تبارك وتعالى : ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)).
والفارق بين السلفي المتبع للسنة الصادق في اتباعه وغيره؛ ممن تغلب عليه الدعوى ولما يأتي بشواهد صدقها؛ هو نصرة هذا المنهج وهذه الدعوة؛ لأنه يعلم أن إقامتهما وتمكينها هو إقامة وتمكين للدين، بينما صاحب الدعوى فإنما ينصر الأشخاص بأعيانهم؛ ففرق بين من ينصر الدعوة والمنهج ويكافح ويناضل لأجل ذلك، وبين من همه هو متبوعه الذي لا يرى في الغالب إلا هو، وإن ادعى غير ذلك، فدعوى نصرة الحق ومنهح السلف تتهاوى أمام أفعال المدعين وأحوالهم؛ حيث أنها تكشف عن عدم صدقهم في دعواهم بما حوته تلك الأفعال من أمور مخالفة للسنة ومصادمة لمنهج السلف، وقديما قيل:
من تحلّى بغير ما هو فيه … فضحته شواهد الإمتحان.
وسر الصدق ومرده هو صحة القلب وسلامته؛ فكلما كان القلب سليما خاليا من العوارض والأغراص التي تكدر صفو إخلاصه؛ كان في الاستقامة أوثق وعلى اتباع السنة ألصق، وعلى العكس من ذلك ؛ فكلما كان القلب معمورا بالشوائب تنازعه المآرب في غير ذات الله ؛ كلما ضعفت استقامته وكثر تلونه وتقلبه، ولا يتلون في دين الله إلا من قل حظه من التشوف إلى عطايا الآخرة.
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:”القلوب أربعة: قلب مصفح فذاك قلب المنافق، وقلب أغلف، فذاك قلب الكافر، وقلب أجرد كأن فيه سراجا يزهو، فذاك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وإيمان فمثله مثل قرحة يمدها قيح ودم، ومثله مثل شجرة يسقيها ماء خبيث وماء طيب؛ فأي ماء غلب عليها غلب.” رواه ابن أبي شيبة في المصنف.
فكان فرضا على كل من ينتسب إلى دعوة أهل السنة المباركة أن يرعى قلبه، ويسعى في تزكيته، وتهذيبه، وعمارته بالعبادات والقرب والطاعات، قال النبي صلى الله عليه وسلم:”ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.” متفق عليه.
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لإصلاح قلوبنا وتزكيتها وتهذيبها، حتى تصلح أعمالنا وسائر أحوالنا، آمين والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو فهيمة عبد الرحمن عياد
بجاية يوم الثلاثاء 8 ربيع الأول 1444
04 أكتوبر 2022.
نشره موقع العلم والعمل:
https://scienceetpratique.com/11880-2/